الدبور أكثر من نصف الحقيقة.. وأقل مما نطمح

logo
تاريخ النشر: 2019-04-28  الساعة: 11:15:04
كانت العمارة حاضرة بذهني أثناء العمل … عزة الشريف لـ«الوطن»: أن أقيم معرضاً في سورية خطوة مهمة… ومن هنا مروري الأهم
الدبور - الوطن

«لكنها ليست حلما مزعجا، ولا واقعا أريده لأطفالي، هي لحظة وقوفي أمام العمل ودفن المخاوف في تجويف اللوحة الهزيلة ببياضها والجبارة في صمتها،حيث تتدفق صور كثيرة التجاذب والتشرذم». الجملة تعود للفنانة التشكيلية عزة الشريف التي عرّفت بها نفسها بالبروشور المخصص لمعرضها الفردي الأول الذي أقيم في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق، بعد أن ابتعدت بالمسافة عن الشام، لكن الوطن بقي في بنان أفكارها وكلّ خواطرها مهما حاولت الحياة أن تسلخها بعيدا بنشاطاتها اليومية. عادت الفنانة عبر أربعة وثلاثين عملا من القديم والجديد، ولكن هندستها في التكاوين، كلّها جاءت مع مساكنة المكان رغم زحام الأفكار والمشاعر بصور مخزونة بالباطن، لتأتي كإجابات عن تساؤلات ذاتية، بألوان صارخة وحارة تعبّر عن المواقف المطلوب فيها حماسة الكلمة وصدقها.

لا ترسم للآخر
في تصريح خاص لـ«الوطـن» أخبرنا غياث الأخرس رئيس مجلس الإدارة في المركز الوطني للفنون البصرية، أنّ المعرض هو نتيجة جميلة وجاءت بعد نقاش بين المركز والفنانة الشريف دام لمدة سبع سنوات تقريبا «في وقتها كانت الفنانة «عزة» في الأردن، وعندما توصلنا إلى اتفاق نهائي كانت قد انتقلت إلى الكويت، وقررت بعدها أن تأتي إلى سورية لتقدم هذه النتيجة، التي تشبهها تماما، فهي لا ترسم للآخر، بل ترسم لنفسها، بغوصها في عالمها النفسي مصورة ما تشعر به وتفكر. فبالنظر بدقة إلى أعمال الفنانة، فإنها تضعنا أمام بحث بصري جدّي ومعاصر، من حيث حداثة التعبير في طرحها لمسيرتها الحياتية، المبنية على تساؤلاتها الذاتية، داخلا وخارجا، التي حققت من خلالها حلمها حتى الآن».
وعن نظرته التقيّيمية للأعمال يتابع «من الواضح أن«عزة» استفادت من تحليلها للفضاء المعماري، حيث سيطرت على ما حولها من مكونات، وأعادت تركيبها في بناء لوحتها بإحساس جديد ومعاصر، وتوصلت بذلك إلى مفاهيم لونية أقرب إلى الشعر، بالمساحات اللونية بما تضمه من رموز إنسانية وأشياء أخرى أسقطت عليها الضوء، أدى حصولها على أبجدية خاصة بها، تنتقل بين لوحاتها، بما يشير إلى ذاكرة مبنية على ثقافة عالية، ورغبة حوارية مع المتلقي الذي يقودنا إلى معرفة جديدة كهدف للتطور والتقدم، بما يخدم الثقافة بشكل واسع لاستمرار الحياة بشكل أفضل».
بداية حدثتنا الفنانة التشكيلية عزة الشريف عن سبب عودتها لسورية واختيارها المركز للانطلاق في أول معرض فردي لها «لقد درست في سورية وعشت بها مدة 26 سنة، وهذا كفيل بأن أتعلق بها وبأماكنها، عاطفيا، وعندما غادرت سورية كنت مشاركة بمعرضين جماعيين فيها، لذا لم أكتف ورغبتي في استمرار التواصل هنا، جاء قراري بأن أقيم معرضا فرديا في سورية. هذه خطوة مهمة جدا بالنسبة لي، وحتى لو أقمت معارض أخرى في أي مكان آخر، لكن يبقى مروري الأهم هو من هنا».
وعن الأعمال المعروضة وأسلوبها تتابع «يضم معرضي الحالي نحو 25 عملا جديدا، إضافة إلى 8 لوحات قديمة، وأعمالي التي رسمتها على الورق جزء منها يعود لعام 2014، لذا حاولت أن يكون هناك جسر بين المرحلتين أي بين أعمالي السابقة والحالية. كما استخدمت تقنية «الأكريليك» لأنها ألوان تجف بسرعة، وتلبي ما أريد وضعه على اللوحة. لم أعتمد في أغلب اللوحات على ضربة الريشة، فقد تخليت عنه، انطلاقا من أن الواقع لم يعد مرنا وغير متناغم، لذا عملت بمواد تعبّر عن القساوة في التعبير. كما استخدمت الورق وقماش «الكانفس»، والاثنان تم العمل عليهما وفق مفهوم الحداثة، كما أنني اهتممت بالقطوع الهندسية بإظهارها من خلال الوجود المعماري، الحاضر جدا بذهني أثناء العمل، فهو بنظري جزء من الفراغ، والوقت نفسه جزء من علاقة الإنسان بالمكان.
عين المشاهد تلحظ واضحا الألوان الصارخة والدافئة المرحبة بالتلقّي، وعن اختيارها تعبّر الفنانة شريف عن خوالجها قائلة «ليس للّون هوية محددة عندي، فالألوان الصارخة والواضحة، ربما هي كرجعة للكلمة الصريحة التي فقدناها بأيامنا هذه، وكان يهمني أن يظهر المشهد بشكل جلي وواضح، عبر حرارة اللون التي تعني بالنسبة لي، حرارة الموقف، ومن جهة أخرى أشعر باللون الحار بعفويته وبساطته المعبرة عن أحاسيس الطفولة. وعلى الرغم من أن الأشخاص بلوحاتي دائماً بحالة جمود، فعلاقة الإنسان مع المكان نقطة كانت تهمني، ولكن لم تكن محور تفكيري، بمعنى أنني في بعض الأعمال دخلت بالمجال المفاهيمي الذي يبعدنا نوعا ما عن المشهد العاطفي في الحياة، فنحن موجودون بواقع متشرذم وفيه ازدواجية كبيرة، لذا لا معنى للّوحة التي فيها انسجام كبير، ولا معنى للّوحة المسالمة جدا على الرغم من وجود العمارة الهادئة في لوحاتي».
وعما حصل في سوريتنا وكيف تأثرت الفنانة عزة الشريف حتى في غربتها تختم «عندما نبتعد عن المكان يكون هذا المكان حاضرا في الذاكرة أكثر، لذا الرؤية تختلف، لأننا نستحضر مقتطفات من هذا المكان-غالبا بلا وعي- وهي تعبر عن الصورة الأوسع، وهذا ما حصل معي. من المؤكد أنني تأثرت بكل ما حصل في سورية، فهو حاضر في الذاكرة، ولا أستطيع أن أقوم بعمل صادق إذا لم أتعامل بصدق مع أفكاري.
وفي الكويت حاولت أن أكون موجودة وشاركت بثلاثة معارض جماعية، وقد تعاملت مع اللوحة في المكان الذي أنا فيه على أنها مستحضرة من خلاصة كل ما أحسسته، سواء هنا في سورية أم في الأردن، وهذا ما جعلني أنتقل نقلات تكتيكية كبيرة وغريبة كان لها علاقة بالمكان الذي أنا فيه ولها علاقة بذاكرتي».

بحث عن العزلة في الأشياء
بدوره تحدث الفنان والناقد التشكيلي محمد العامري من الأردن عن الفنانة قائلا «إن من يدقّق بأعمال الفنانة عزة يستطيع التقاط مرجعيّاتها الجمالية ببساطة متناهية رغم تعقيدات التقنية وحلولها البصرية، حيث تذهب في الأغلب إلى مسارين في تفاصيل تلك المرجعيّات، مسار الطفولة والأمومة، ومسار الأدوات الجديدة التي تعيش معنا في هذا العالم المتسارع، وتنشط مخيّلتها في صياغات تكويناتها الفنّية التي ترتكز بالدرجة الرئيسية على كسر الخطوط اليابسة، كما لو أنها تريد تحويل الحزم الضوئية إلى مناطق تريدها في اللوحة والأقرب إلى إنتاج عمل فني ممسرح».
مشيرا إلى أن الفنانة تعتمد في صياغاتها اللّونية على مسألة الشفافية كسمة محورية في أعمالها، حيث يتحول السطح التصويري إلى أكثر من طبقة تشف كل واحدة عن الأخرى، لافتا إلى أن هذا الأمر قد أعطى عملها الفني قيمة فنية عالية تحث على البحث عن عناصر اختفت خلف الشفافيات، وأن هذا الأمر جاء لدى الفنانة عبر استخداماتها الذكية والواعية للكولاج الشفاف، وطبيعة رشاقة اللون الذي يتحول في الأغلب إلى ضوء بألوان متعددة.

عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1181

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
البريد الالكتروني :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

اكتب الرقم : *
 

 

لسعات منوعة

نضعها أمانة في أعناقكم وليس شكوى
هل من المعقول مكتب دفن الموتى بلا سيارات!!
اقرأ المزيد
الباعة الجوالين يفرضون تسعيرة جديدة أمام أفران دمشق ولافرق بين مدعوم وغير مدعوم
جيوبهم تتآكل وكل مافي جعبتهم بضع قروش لا تسد رمق أبنائهم الغلاء يصل لأقصى حدوده
اقرأ المزيد
في شكوى وردت لجريدة الدبور
#برسم المعنيين #برسم مدير معمل الغاز سادكوب
اقرأ المزيد
لماذا؟
براد بردى أغلى بـ 44% من براد حديث بثلاثة أبواب لدى شركة صينية شهيرة انتقد رجل الأعمال المقيم في الصين فيصل العطري، البرادات الجديدة التي طرحتها “شركة بردى” الحكومية،
اقرأ المزيد